كيف يعمل المال الصهيونيّ على شراء الذمم الأكاديميّة؟ | ترجمة

مظاهرة في «جامعة كوني»، نيويورك، 2021. Andrew Lichtenstien - Getty Images

 

العنوان الأصليّ: The Fight for the Future of Israel Studies.

المصدر: Jewish Currents.

ترجمة: علاء سلامة.

 


 

في أيّار (مايو) 2022، بعد أن نفّذت إسرائيل هجومًا قاتلًا على غزّة، تناقلت مجموعة من الأساتذة في إسرائيل، ومجموعة من أساتذة الدراسات اليهوديّة حول العالم، بيانًا يدين الهجوم الإسرائيليّ. كانت ليورا هالبرين، المؤرّخة المتخصّصة في تاريخ إسرائيل وفلسطين، ورئيسة «برنامج الدراسات الإسرائيليّة» في «جامعة واشنطن»، واحدة من أكثر من 200 أستاذة وأستاذًا وقّعوا على الرسالة، الّتي انتقدت تأثير "نماذج الاستيطان الاستعماريّ" في الصهيونيّة. قالت هالبرين، الّتي تركّز أعمالها على التفاعلات اليهوديّة – العربيّة خلال فترة الاستعمار البريطانيّ: "شعرت بأنّ هذا يجب أن يُقال… شعرت بأنّ الكثيرين ينظرون إليّ قائدة أو مرشدة. قرّرت أنّني لا أستطيع الصمت". كانت هالبرين تعلم أنّ توقيعها على الرسالة قد يزعج بعض هؤلاء الأشخاص، بمَنْ في ذلك بيكي بينارويا، فاعلة الخير (الفيلانثروبيّة) المعروفة محلّيًّا، الّتي تموّل كرسيّ هالبرين في الجامعة. لكنّ هالبرين افترضت أنّها وبينارويا يمكنهما مناقشة خلافاتهما، كما كان الحال في الماضي. لم تكن هالبرين قلقة من أنّ ما فعلته قد يعرّض وظيفتها في الجامعة أو برنامجها للخطر: "كنت أعتقد أنّها منحة دائمة. المال لن يذهب إلى أيّ مكان".

 

الترويج لإنجازات إسرائيل

كانت بينارويا قد مَنَحَتْ المنحة البالغة 5 ملايين دولار في عام 2016، في لحظة كانت فيها الجالية اليهوديّة في سياتل تثور؛ بسبب ما يراه البعض من ميول الجامعة الإيجابيّة تجاه القضيّة الفلسطينيّة، مثلما كان تجسيده بالنسبة إليهم في محاضرة أقامها في الحرم الجامعيّ في عام 2015 عمر البرغوثي؛ المؤسّس المشارك لحركة «المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات» (BDS). "كان شعورنا يتلخّص في أنّ الحرّيّة الأكاديميّة مهمّة، بالطبع، وأنّ الناس لديهم الحقّ في التحدّث، لكن من غير الجائز أن تقدّم جانبًا واحدًا من القصّة. كانت الأمور في حالة عدم اتّزان"، قال سوني غوراشت، الّذي كان يشارك في مجلس استشاريّ لـ «برنامج الدراسات اليهوديّة» في «جامعة واشنطن»، في ما بعد للرسالة الإخباريّة اليهوديّة المحلّيّة «ذا شولنت» (The Cholent). وكتبت ابنته، عضوة المجلس الاستشاريّ المشتركة جيمي ميريمان - كوهين في ما بعد، في رسالة إلى رئيسة «جامعة واشنطن» آنا ماري كاوس، أنّ المقعد "كان يُقَدَّم ويُمَوَّل بهدف تقديم مكان آمن ومفتوح للفضول الفكريّ حول إسرائيل؛ بهدف تعزيز، لا تقويض، وجودها".

منذ بداية فترتها، أثارت هالبرين، النجمة الصاعدة في مجال «الدراسات اليهوديّة»، الّتي اختارتها لجنة أعضاء هيئة التدريس في عام 2017، أثارت غضب بعض أعضاء المجتمع. أخبر غوراشت «ذا شولنت» أنّه اتّصل برئيس «الدراسات اليهوديّة» ليشتكي؛ بعد أن رأى أنّ قوائم الموادّ الدراسيّة الخاصّة بها تشير إلى "إسرائيل/ فلسطين" بدلًا من إسرائيل. ومع ذلك، بدت بينارويا راضية: في آذار (مارس)، أرسلت بينارويا بريدًا إلكترونيًّا لهالبرين تثني فيه على برنامج «الدراسات اليهوديّة»، وتعترف بأنّ هالبرين "تستحقّ منصبها بكلّ تأكيد"، وفقًا للسجلّات العامّة الّتي أصدرتها الجامعة. لكن بعد أن وقّعت على رسالة انتقاد الحرب على غزّة في أيّار (مايو)، سمعت هالبرين من أحد أعضاء مجلس الجامعة أنّها أزعجت بينارويا. بناء على طلب المانحة، حضرت هالبرين اجتماعين مع بينارويا وكاوس رئيسة الجامعة، في ذلك الصيف والخريف. حضر الاجتماع أيضًا عدد من الأشخاص الّذين جلبتهم بينارويا البالغة من العمر 99 عامًا، حضروا مستشارين، بما في ذلك راندي كيسلر؛ المدير التنفيذيّ لفصل الشمال الغربيّ من مجموعة دعم إسرائيل «قفوا معنا».

تقول هالبرين إنّ كاوس أخبرتها، قبل الاجتماع الثاني، أنّ الجامعة تفكّر في إعادة أموال بينارويا إذا لم يتمكّنوا من التخفيف من مخاوفها، وأنّ الجامعة ستجد طريقة أخرى لتمويل منصب المقعد والبرنامج، إذا ما احتاج الأمر إلى ذلك. عندما اجتمع الفريق مرّة أخرى، طرح أحد مستشاري بينارويا، مايكل شوفلر، عضو هيئة التدريس الفخريّ في «كلّيّة الطبّ»، ومانح صغير لـ «مركز الدراسات اليهوديّة»، طرح مطالبها: أرادت بينارويا من هالبرين الامتناع عن إصدار تصريحات سياسيّة "تحطّ من شأن إسرائيل"، وفقًا للملاحظات الّتي أرسلها شوفلر لاحقًا، عبر البريد الإلكترونيّ، إلى رئيس «الدراسات اليهوديّة» في ذلك الوقت نعوم بيانكو.

أرادت بينارويا من هالبرين أيضًا تدريس موادّ حول إسرائيل، وليس ’إسرائيل/ فلسطين‘. عندما طُلِب منه أمثلة على الموادّ المناسبة، اقترح شوفلر "تاريخ العلاقات بين الولايات المتّحدة وإسرائيل، وتاريخ العلاقات بين إسرائيل والدول العربيّة، وتاريخ تحويل إسرائيل من دولة عالم ثالث في عام 1948 إلى دولة من العالم الأوّل اليوم، وموادّ تتعامل مع التكنولوجيا العالية الإسرائيليّة". بينارويا "أرادت [مساقات وبرامج عامّة] حول الأشياء الإيجابيّة الّتي كانت إسرائيل تقوم بها"، قالت هالبرين. وسألت، في ما يتعلّق بهالبرين: لماذا كانت هالبرين توجّه "كلّ هذا الاهتمام إلى الأمور السياسيّة؟".

 

سحب التمويل كأداة عقابيّة 

أخبرت كاوس بينارويا أنّ الجامعة لا يمكنها تقييد خطاب أعضاء هيئة التدريس؛ بدلًا من ذلك، عملت هالبرين طوال الخريف مع مسؤولي «جامعة واشنطن»، على محاولة العثور على طرق أخرى لإصلاح الخرق. في تشرين الأوّل (أكتوبر)، خرجت هالبرين مع بينارويا لتناول الغداء معًا. أرسلت بينارويا بريدًا إلكترونيًّا لهالبرين بعد ذلك لتقول: "استمتعت... بتعرّفنا على بعضنا بعضًا بشكل أفضل". رسمت هالبرين وبيانكو دستورًا للجنة استشاريّة جديدة، ستقدّم ملاحظات حول محاضرة عامّة سنويّة تنظّمها هالبرين. لكن عندما عادت هالبرين من عطلة الشتاء، تلقّت خبرًا في بريد إلكترونيّ بأنّ بينارويا طلبت من الجامعة إعادة الأموال الّتي تبرّعت بها، وأنّ الجامعة وافقت على ذلك. بعد بضعة أسابيع، أُخْبِرَت هالبرين أنّه، على عكس ما أكّدته لها كاوس في الخريف، لن يتمّ تعويض تمويل مقعدها المموَّل: رغم أنّ راتبها سيبقى كما هو، فقد اختفت معظم أموال البرنامج للبحوث والفعاليّات العامّة ودعم الطلّاب.

فزعت هالبرين، وبدأت بإخبار زملائها بما حدث. بحلول نهاية شباط (فبراير)، وقّع المئات من علماء الدراسات اليهوديّة والإسرائيليّة حول العالم، على رسالة تتّهم «جامعة واشنطن» بانتهاك ’المبدأ الأساسيّ‘ لحرّيّة التعبير. كتبت «جمعيّة الدراسات اليهوديّة»، و«جمعيّة الدراسات الشرق أوسطيّة»، وأعضاء «جامعة واشنطن» في «الجمعيّة الأمريكيّة لأساتذة الجامعات» رسائل إلى كاوس، تحذّر من أنّ الجامعة تعرّض الحرّيّة الأكاديميّة للخطر. في الأوّل من آذار (مارس)، أعلنت «جامعة واشنطن» أنّها ستستعيد كلّ التمويل لمقعد هالبرين في "الدراسات اليهوديّة": "لم تكن حرّيّة هالبرين الأكاديميّة كأستاذة وباحثة موضع شكّ قطّ"، وأوضحت «جامعة واشنطن» أنّ الجامعة لن تسمح بتأثير العوامل الخارجيّة في أبحاث أكاديميّينا"، قال المتحدّث باسم «جامعة واشنطن» فيكتور بالتا في بيان «Jewish Currents». في الوقت نفسه، أفادت «ذا شولنت» أنّ بينارويا تخطّط لإعطاء الـ5 ملايين دولار، الّتي أعادتها «جامعة واشنطن» إليها، إلى «جمعيّة قفوا معنا» الداعمة لإسرائيل.

 

المال وشراء النفوذ الأكاديميّ 

هذا الجدل في «جامعة واشنطن»، هو أكثر الأمثلة وضوحًا، حتّى الآن، على الصراع الّذي يعصف بالمجال الأكاديميّ لـ «الدراسات الإسرائيليّة»، حيث يتجاذب الأكاديميّون والمانحون والجماعات الضاغطة معنى إجراء دراسة دقيقة لدولة إسرائيل في الحرم الجامعيّ، الساحات الأساسيّة في النزاع السياسيّ حول إسرائيل/ فلسطين. أُنْشِئ معظم كراسيّ «الدراسات الإسرائيليّة» ومراكزها في العالم الناطق بالإنجليزيّة في أوائل القرن الحادي والعشرين، وكان المنشئون المانحون الّذين أرادوا مواجهة ما يعتبرونه بيئة فكريّة "معادية لإسرائيل"، يعزّزها الأساتذة والأستاذات الراديكاليّون في الدراسات الشرق الأوسطيّة.

معظم الحماسة للدراسات الإسرائيليّة أشعلتها منظّمة واحدة، هي «المؤسّسة التعاونيّة الأمريكيّة الإسرائيليّة» (AICE)، الّتي رأى مديرها المحارب ميتشل بارد أنّ مهمّته تحسين صورة إسرائيل في الحرم الجامعيّ. جاء تمويل بارد من اللاعبين الرئيسيّين في العمل الخيريّ اليهوديّ، مثل «مؤسّسة عائلة شوسترمان»، الّتي تدعم أيضًا مشاريع الدعم لإسرائيل مثل «ائتلاف إسرائيل في الحرم الجامعيّ»، الّتي أدّت دورًا حاسمًا في تمويل الأكاديميّين. قال جرشون شافير، أستاذ السوسيولوجيا في «جامعة كاليفورنيا- سان دييغو»، ومنظّر بارز في موضوع الاستعمار الاستيطانيّ الإسرائيليّ: "يعتقد المتبرّعون أنّ شراء أكاديميّ مثل شراء سيّارة مستعملة: شخص سيقوم بما تريده، وسيحمي إسرائيل بشكل أساسيّ من أيّ نقد". أسهم عمل جماعات الضغط والمتبرّعين في خلق خطوط فصل جديدة في المجال، ومنظّمته العضويّة الرئيسيّة، «جمعيّة الدراسات الإسرائيليّة» (AIS)، الّتي تأرجحت بين النقاشات حول كيف يجب أن تكون العلاقة بين الأكاديميّين الباحثين في الدراسات الإسرائيليّة، وسياسات المشروع الصهيونيّ.

 

تقويض الحرّيّة الأكاديميّة 

اليوم، تستمرّ المجموعات الغنيّة مثل «معهد إسرائيل» (The Israel Institute) - مشروع آخر لـ «مؤسّسة شوسترمان» - في ممارسة التأثير في الوسط الأكاديميّ. يقول المعهد إنّه يموّل الأكاديميّين من جميع الاتّجاهات السياسيّة لتدريس الدراسات الإسرائيليّة في الحرم الجامعيّ الأمريكيّ، ولا يتدخّل في محتوى دروسهم، إلّا أنّه يحاول أحيانًا التأثير في عمليّات التوظيف للوظائف الّتي يدعمها. في عام 2017، على سبيل المثال، عندما قدّم «معهد إسرائيل» التمويل لوظيفة جديدة للمتابعة على المسار الدائم في «جامعة فلوريدا»، تضمّنت اتّفاقيّته مع الجامعة بندًا يتطلّب من شخص خارج «جامعة فلوريدا» الانضمام إلى اللجنة البحثيّة في دور استشاريّ، كما أكّد رئيس «معهد إسرائيل»، أرييل روث، في بريد إلكترونيّ إليّ.

رشّح المعهد كينيث ستاين، مدير «برنامج دراسات إسرائيل المستمرّ» في «جامعة إيموري»، الّذي كان آنذاك عضوًا في مجلس الإدارة الاستشاريّ لـ «معهد إسرائيل». قال جاك كوجيلماس، الّذي كان رئيس «قسم الدراسات الإسرائيليّة» في «جامعة فلوريدا» في ذلك الوقت، قال إنّه تصدّى لمحاولة إدراج أستاذ خارجيّ، وأكّد روث أنّ «معهد إسرائيل» وافق على تجاوز هذا البند في العام التالي. يعتقد تامير سوريك، عالم الدراسات الإسرائيليّة الّذي كان يعمل في «جامعة فلوريدا» في ذلك الوقت، وهو الآن أستاذ التاريخ في «جامعة بنسلفانيا الحكوميّة»، أنّ تدخّل المانحين في عمليّات التوظيف في الجامعات أمر شائع: "في العديد من الحالات، تمكّن المانحون من التأثير في اختيار أعضاء هيئة التدريس، وحيث فشلوا، تعلّموا للمستقبل كيفيّة التأثير بشكل أفضل في العمليّة". نتيجة لذلك؛ قال، "معظم المناصب في «الدراسات الإسرائيليّة» الّتي أُنْشِئَت على مدى العقد الماضي لا تتّخذ موقفًا نقديًّا كبيرًا".

لكن بينما قد يكون بعض أساتذة «الدراسات الإسرائيليّة» صريحين في دعمهم لإسرائيل - وانتقادهم لدعم فلسطين في الحرم الجامعيّ - فإنّ أبحاثًا كثيرة تحظى بالتقدير في هذا المجال، تتساءل عن الروايات الأساسيّة للحركة الصهيونيّة. قال يائير والاخ، محاضر في الدراسات الإسرائيليّة في «جامعة سواس» في لندن، الّذي وقّع على نفس الرسالة كما فعلت هالبرين في أيّار (مايو) 2021: "عدد كبير من الأشخاص الّذين يشغلون مناصب في «الدراسات الإسرائيليّة» ليسوا يعملون في الترويج لإسرائيل - ما يقومون به في الواقع يغضب الأشخاص الّذين يريدون منهم القيام بهذا الترويج - في وقت ما، صار واضحًا أنّ الأمور ستصل إلى ذروتها بين المانحين والأكاديميّين". في الواقع، تعتبر بعض مجموعات دعم إسرائيل الدراسات الإسرائيليّة اليوم قضيّة خاسرة.

قال سكوت أ. شاي، وهو مصرفيّ في نيويورك خدم عضوًا في مجالس إدارة لمنظّمات يهوديّة عدّة، مثل UJA-Fed eration، في مقال رأي حديث في مجلّة eJewishPhilanthropy: "تروّج الدراسات اليهوديّة والإسرائيليّة لرؤية سلبيّة للحضارة اليهوديّة ولإسرائيل... لقد أصبحت تقريبًا لا تختلف في سياساتها عن قسم الدراسات الشرق أوسطيّة القوميّة العربيّة المسيّسة للغاية". هذا يطرح مشكلة محتملة للباحثين النقديّين في الدراسات الإسرائيليّة، الكثير منهم تقدّموا لمنصب ما بعد الدكتوراة والكراسي المموّلة في مجال الدراسات الإسرائيليّة - بدلًا من، على سبيل المثال، التاريخ أو العلوم السياسيّة - لأنّه كان مليئًا بالموارد في سوق عمل أكاديميّ فقير، حيث يخاطر الباحثون الأكاديميّون بفقدان الدعم الّذي جعل مناصبهم جذّابة في المقام الأوّل - وهو ما يُعَدّ مأزقًا يتحدّث عن حالة الجامعات المعاصرة، حيث أدّى انخفاض التمويل العامّ إلى زيادة الاعتماد على سخاء الجهات المانحة.

يمكن لهذه الظروف أن تنتج مواقف مثل ما حدث مع هالبرين. على الرغم من أنّ منصبها آمن، وقد اسْتُعِيد التمويل لبرنامج «الدراسات اليهوديّة»، إلّا أنّها تعبّر عن أسفها لحقيقة أنّ التمويل العامّ الّذي يُوَجَّه الآن نحو راتبها "كان يمكن استخدامه لتوظيف عضو هيئة تدريس جديد، أو لدعم طلّاب الدراسات العليا" في أماكن أخرى في الجامعة. ولا تزال تقلق بشأن الآثار الأوسع الممكنة لما حدث معها. تقول هالبرين: "إنّها سابقة مقلقة حقًّا، لم أعبّر عن الآراء السياسيّة الّتي أرادتها الجهات المانحة، ونتاج ذلك اختفت الأموال".

 

المقال مقابل الفرضيّة الأكاديميّة

بينما يعمل بعض الأكاديميّين على توفير مجال في الميدان الأكاديميّ لمنظورات أكثر نقديّة تجاه إسرائيل، أصبحت الجماعات المؤيّدة لإسرائيل أكثر مهارة في الدفاع عن قدرة الجهات المانحة على الحصول على ما دفعوا مقابله. تعمل «قفوا معنا»، الجماعة المؤيّدة لإسرائيل، الّتي دعمتها بينارويا في شكواها ضدّ «جامعة واشنطن»، مع الجهات المانحة للتفاوض على اتّفاقات الهبات لتتضمّن شروطًا محدّدة، كما أوضحت المديرة القانونيّة للمجموعة، ياعيل ليرمان، في مقال كتبته في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 مع المستشار القانونيّ جوناثان روتر للموقع الإخباريّ اليهوديّ اليمينيّ «الجمينر» (The Algemeiner). من بين أمور أخرى، تقترح المجموعة إضافة بنود تحظر على الأساتذة الترويج لحملة «المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات» (BDS). وتتطلّب من متلقّي الدعم الالتزام بتعريف IHRA المثير للجدل لمعاداة الساميّة، الّذي انْتُقِد لتقييده خطاب الحرّيّة السياسيّة الشرعيّ، عن طريق تعريف نقد دولة إسرائيل معاداة للساميّة. وتقترح «قفوا معنا» أنّه يجب على الجهات المانحة ترتيب الهبات لتُدْفَع تدريجيًّا في مدّة زمنيّة؛ ممّا يسهّل قطع الدعم عن المستفيد المخالف للشروط في أيّ وقت.

تتّسم هذه الجهود الّتي تبذلها الجهات المانحة؛ للسيطرة على مجال الدراسات الإسرائيليّة، بأنّ لها تداعيات بعيدة المدى على مجال دراسة إسرائيل. في مقالة كتبتها في آذار (مارس) لـ دوريّة «Chronicle of Higher Education» حول الجدل في «جامعة واشنطن»، وصفت ليلا كوروين بيرمان، مؤرّخة في «جامعة تمبل» تدرّس تاريخ المِنح والأعمال الخيريّة اليهوديّة الأمريكيّة، الجهود المبذولة لتقييد استخدام المنح بأنّها "محاولة للحصول على القوّة لمعاقبة الباحثين وتقييد المعرفة"، وفي نهاية المطاف "للتأديب والسيطرة على العمل البحثيّ الحرّ في الجامعات". يقول دعاة الجهات المانحة إنّ البديل عن قبول شروط الجهات المانحة قد يكون الاستغناء عن أموالهم، الّتي جعلت دراسات إسرائيل جذّابة لبعض من أكثر الباحثين احترامًا في المقام الأوّل.

بالنسبة إلى بارد، فهو يواصل تشجيع الجهات المانحة على التمويل، لكن بشروط "ما دامت الجامعات تريد المال، فأنا لست متأكّدًا كيف يمكن لأحد تجاوز حقيقة أنّ لدى الجهات المانحة توقّعات معيّنة… لا يمكنك أن تقول ببساطة: "أعطني المال حتّى أستطيع القيام بأيّ شيء أريده".

 


 

روزَنَة: إطلالة على الثقافة الفلسطينيّة في المنابر العالميّة، من خلال ترجمة موادّ من لغات مختلفة إلى العربيّة وإتاحتها لقرّاء فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة. موادّ روزَنَة لا تعبّر بالضرورة عن مبادئ وتوجّهات فُسْحَة، الّتي ترصدها وتنقلها للوقوف على كيفيّة حضور الثقافة الفلسطينيّة وتناولها عالميًّا.